فإذا لم تتوافر صفة من هذه الصفات التي يتطلبها القانون في الفاعل فلا يعد الشخص مرتشيا،
حتى ولو كان قد انتحل إحدى هذه الصفات. وتتحقق صفة الموظف أو من في حكمه عند اكتشاف الجريمة ، وتظل هذه الصفة قائمة حتى بعد التوقف عن الوظيفة متى كانت قد سهلت أو مكنت منت إتمام الجريمة . والراجح أن الموظف لا يفلت من العقاب لأن قرار تعيينه قد صدر باطلا ما دام قد باشر فعلا مهام الوظيفة ، والعلة في ذلك أن تجريم الرشوة إنما تقرر لحماية الوظيفة العامة ومقتضيات الثقة فيها.
ويلاحظ أن المشرع الجزائري وإن كان يشترط إلى جانب توافر صفات خاصة في المرتشي على النحو المتقدم ـ أن يكون العمل من اختصاص الموظف أو من شأن وظيفته أن تسهل له أداؤه أو من الممكن أن تسهله له، فإنه توسع في تحديد مدلول الاختصاص على النحو الذي تتطلبه مقتضيات الحماية الجنائية، فلم يشترط لتحقق جريمة الرشوة أن يكون العمل الوظيفي داخلا في اختصاص الموظف أو من في حكمه فقط ، بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتفنيد الفرض من الرشوة . ومن ثم يكفي لتحقق الرشوة أن يكون الغرض منها أداء عمل أو الامتناع عنه ولو كان خارجا عن اختصاص الموظف أو من في حكمه، طالما أن من شأن وظيفته أن تسهل له أدؤه أو من الممكن أن تسهله له: أي مادام له اتصال بهذا العمل.
2 ـ الركن المادي : تتخلص الأفعال التي يقوم عليها الركن المادي لجريمة الرشوة السلبية وفقا للمادتين 126 و 127 من قانون العقوبات في الطلب والقبول والتلقي أو الأخذ، نعرضها فيما يلي :
*الطلب : يقصد بالطلب الإيجاب الصادر عن الموظف أو من في حكمه للرشوة ، ويكفي بمجرد تعبير الموظف عن إرادته في الحصول على مقابل لأداء عمل أو الامتناع عنه لتحقق الركن المادي للجريمة حتى ولو لم يقترن الإيجاب هذا الأخير بقبول.
*القبول : يقصد بالقبول قبول الموظف أو من في حكمه الإيجاب صاحب المصلحة الصادر إليه.
ويتحقق الركن المادي للجريمة بمجرد تلاقي قبول الموظف مع إيجاب صاحب المصلحة يصرف النظر عن تنفيذ الراشي لوعده أو عدم تفنيده له بإرادته أو الأسباب خارجة عن إرادته، ولكن يشترط في القبول أن يكون جديا وصادرا عن إرادة حرة وواعية .
التلقي أو الأخذ : يقصد بالتلقي أو الأخذ بتسلم الموظف أو من في حكمه للشيء موضوع الرشوة
والراجح أن الأخذ لا يقع على الوعد وإنما على تلقي هبة أو هدية أو أية مزية أو منفعة أخرى .
ويتم باستلام الموظف لما عرض عليه ، مهما كان شكل هذا الاستلام.
وقد حددت المادة 126 ق.ع في فقراتها الثانية والثالثة والرابعة نوع العمل الذي يعتبر سببا للرشوة في إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده ، أو في إتخاد قرار لصالح أحد الأطراف أو ضده ، أو في التقرير كذبا بوجود أو إخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل أو إعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة.
ويعتبر سببا للرشوة أيضا الامتناع عن أداء أحد أعمال الوظيفة ، ولا يشترط في الامتناع أن يكون تاما إذ يكفي مجرد التأخير في القيام بالعمل.
3 ـ الركن المعنوي : إن جريمة الرشوة السلبية، شأنها شأن الرشوة الإيجابية، جريمة عمدية تستوجب القصد الجنائي ، أي توافر عنصري العلم والإرادة : أي اتجاه إرادة الموظف أو من في حكمه إلى طلب الرشوة أو قبولها أو تلقيها أو أخذها .وأن يعلم بأن المقصود من المقابل الذي أخده هو أداء عمل أو الامتناع عنه . ويشترط معاصرة القصد الجنائي للركن المادي بمعنى توافر القصد الجنائي لدى الجاني لحظة تنفيذ للركن المادي لجريمة الرشوة .
ويلاحظ في الأخير أن المادة 126 من قانون العقوبات قد أوردت بصورة عرضية إسم الوسيط، ولكن
المشرع لم يبين حكم هذا الوسيط في الرشوة ، والراجح أن تطبق بشأنه المبادئ العامة للشريك، فيعتبر شريكا لمن تعامل معه الراشي أو المرتشي أو معا شريطة أن يكون عالما بأنه يقوم بدور وسيط
بينهما، عملا بالمادة 42 قانون العقوبات .