مساهمات الاطباء العرب والمسلمين في علم التشريح --------------------------------------------------------------------------------
عرفت البشرية منذ القدم تشريح جثث الموتى ، فقد قام قدماء المصريين بتشريح جثث موتاهم وتفريغ الأحشاء الداخلية منها ، ووضع بعض المواد الحافظة للجثث من التفسخ ، وبذلك استطاعت الموميات أن تبقى آلاف السنين .
ونال علم التشريح اهتماماَ خاصاَ من قبل الأطباء العرب والمسلمين ، واعتمدوا في دراساتهم وكتاباتهم حول ذلك على مصادر عديدة هي :
1- كلام من سبقهم من الأطباء اليونانيين : كانت بدايات معلوماتهم عن التشريح مستقاتاَ من كتب الأطباء اليونانيين ، مثل كتب أبقراط وجالينوس وآخرين .وهنا لا بد من التذكير بأن الأطباء العرب والمسلمين أنقذوا الكثير من تآليف الأطباء اليونانيين من الضياع بتعريبهم
لها ، لأن النسخ اليونانية القديمة فقدت جميعها ولم يبق سوى النسخ العربية ، ومن تلك الكتب كتب جالينوس التالية ( 1- كتاب في اختلاف ما وقع بين القدماء في التشريح . 2- كتاب تشريح الأموات . 3- كتاب الأحياء _ الحيوانات - . 4- كتاب علم أبقراط في التشريح . 5- آراء أرسطراطس في التشريح . 6- كتاب تشريح الرحم ) .
2- التشريح المقارن : يستند هذا النوع من التشريح على تشريح الحيوانات ومقابلة ذلك بتشريح الإنسان . وعلى الرغم من أن ذلك لا يغني عن تشريح الإنسان لتعليم الطب لوجود فروق كبيرة بينهما ، إلا أن تشريح الحيوانات أمر أساسي باعتباره خطوة أولى في دراسة التشريح .وقد زخرت كتب الطب العربية بإشارات عن قيامهم بتشريح الحيوانات
( حية وميته) واتخاذهم ذلك وسيلة للمقارنة عند دراسة علم التشريح في الإنسان ، نذكر فيما يلي بعض الأمثلة :
أ ـ يعتبر يوحنا بن ماسويه أول من عمل بالتشريح المقارن من العرب وكتب في ذلك كتاباَ ، ذكر براون نقلاَ عن كتاب فارسي (( ذكر فيها أن يوحنا بن ماسويه لما عجز عن الحصول على جثث آدمية قام بتشريح القردة في حجرة خاصة للتشريح أقامها على ضفة دجلة ، وأن نوعاَ خاصاَ من القردة كان يعتبر أقربها شبهاَ للإنسان كان يمده به حاكم النوبة بأمر أصدره الخليفة المعتصم )) .
ومما يروى عنه (( دخل غلام من الأتراك ومعه قرد من القرود التي أهداها ملك النوبة إلى المعتصم ، وقال ليوحنا يقول لك أمير المؤمنين زوج هذا القرد من قردتك حماحم حيث كان لا يصبر عنها ساعة ، فوجم لذلك ، ثم قال للغلام : قل لأمير المؤمنين ، اتخاذي لهذه القردة غير ما توهمه وإنما دبرت تشريحها ووضع كتاب على ما وضع جالينوس في التشريح … وكان في جسمها قلة تكون العروق فيها … فتركتها لتكبر ويغلظ جسمها ، فأما إذ قد وافى هذا القرد فسيعلم أمير المؤمنين أنى سأضع له كتاباَ لم يوضع في الإسلام مثله . ثم فعل ذلك بالقرد فظهر له منه كتاب حسن )) .
ب ـ تجارب وأقوال الرازي :
تحدث الرازي في مقالته فيما بعد الطبيعة عن تكوين الجنين ، فقال (( وبعد فإن جالينوس قد عني بأمر التشريح وكان يدعي فيه دعاوى ، وهنا لا يمكننا تشريح أرحام النساء ، فقد نشاهد أرحام الغنم وأجوافها فلسنا نرى من ذلك شيئا )) .َ
وقوله أيضاً (( وقد يعرض على القلب دق فإنه كان عندي قرد لا يزال يهزل فلما شرحته وجدت أعضاءه سليمة ، إلاّ أني وجدت على غلاف قلبه غلظاً خارجاً من الطبع فيه رطوبة محتقنة شبيهه بالرطوبة التي تكون في النفاخات .
وأما ديك شرحته فإني وجدت على غلاف قلبه غلظاً صلباً متحجراً ليس فيه رطوبة ، وأما الورم الحار فرأيناه قد حدث بقوم من المقاتلة ممن قد جرحوا فتبعهم الموت ساعتهم بالغشي الشديد القوى )) .
التجربة التي ذكرها عن الحيوان الذي ينزع قلبه منه فلا يصيبه الغشي بل يظل يعدو ويتحرك إلى أن يموت .
ج – ويسرد ابن طفيل ما كان يعرفه من علم التشريح من خلال تشريح ( حي ) للظبية في قصته الفلسفية ( حي إبن يقضان ) ، وعندما يريد أن يعرف حركة القلب في أثناء حياة
الجسد ، يأتي بظبية حية ويقيدها ثم يشق صدرها حتى يصل إلى القلب . ويبدو أن ابن طفيل كان ذا علم واسع في تشريح الحيوانات الحية والميتة مما جعله يقول عن حي إبن يقضان
(( فتتبع ذلك كله بتشريح الحيوانات الأحياء والأموات )) .
3 - تشريح الرمم ومشاهدة الهياكل العظمية في المقابر :هناك إشارات على تفحصهم للرمم ( وهي البقايا البشرية في أطوار التحلل المختلفة) ، وخاصة العظام والمفاصل والأربطة ، على سبيل المثال يقول ابن النفيس (( أما تشريح العظام والمفاصل ونحوهما فيسهل في الميت من أي سبب كان ، واسهل ما يكون إذا مضى على موته مدة فني ما عليه من اللحم حتى بقيت العظام متصلة بالأربطة ظاهرة ، فهذا لا يفتقر فيه إلى عمل كثير حتى يوقف على هيئة عظامه ومفاصله )) وظاهر النص أن ابن النفيس باشر التشريح على أجداث ورمم الموتى واهتم بالعظام والأربطة والمفاصل وتوصل إلى حقيقة أن أربطة المفاصل لا تفنى إلا بعد فناء اللحم .
أما مشاهدة الهياكل العظميه فسيأتي الكلام عن ذلك فيما بعد.
4 - ملاحظة الجروح التي تتسبب من الحروب وتعقب آثار الحوادث : لقد كانت مراقبة الأحشاء الداخلية للمصابين في الحروب أثناء معالجتهم فرصة عملية للتأكد من معلوماتهم التشريحية وتعزيزها .
كما وأن دراسة آثار بعض الحوادث أيضاَ كانت تطبيقاَ عمليا لمعلوماتهم التشريحية ، فعلى سبيل المثال يقول الرازي (( رجل سقط عن دابته ، فذهب حس الخنصر والبنصر ونصف الوسطى من يديه ، فلما علمت أنه سقط على آخر فقار في الرقبة علمت أنه مخرج العصب الذي بعده الفقارة السابعة أصابها في أول مخرجها ، لأني كنت أعلم من التشريح أن الجزء الأسفل من أجزاء العصبة الأخيرة النابت من العنق يصير إلى الإصبعين الخنصر والبنصر ، ويتفرق في الجلد المحيط بهما وفي النصف من جلد الوسطى ))
يتبع ....
.