ويحقق مبدأ الشرعية الحماية لمصلحة الفرد عن طريق :
1 ـ منع السلطة من التحكم في حريات الأفراد، ومنع انتهاك حرياتهم .إذ يوجب هذا المبدأ بألا يعاقب الفرد على سلوك يأتيه إلا إذا كان هذا السلوك مجرما وقت اتيانه.
2 ـ بيان السلوك المعتبر جريمة ، الأمر الذي يمكن الأفراد من معرفة السلوك الإجرامي والسلوك المباح:أي معرفة الوجهة الاجتماعية المقبولة لممارسة نشاطهم في مأمن من المسؤولية الجنائية.
ويحقق مبدأ الشرعية الحماية لمصلحة المجتمع عن طريق :
1 ـ إصفاء الصبغة القانونية على العقوبة تجعلها مقبولة باعتبارها توقع تحقيق للمصلحة العامة .
2 ـ إسناد وضيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده .ويتكون مبدأ الشرعية من عنصرين أساسيين، وهما : وجود نص سابق يجرم الفعل قبل ارتكابه،وعدم توافر المشروعية في الفعل المرتكب ،ولنتكلم في كل من هذين العنصرين على التوالي ببعض من التفصيل.
1 ـ وجود نص سابق يجرم الفعل قبل ارتكابه
يقضي مبدأ شرعية التجريم بعدم جواز متابعة شخص عن فعل أرتكبه. وأنزل العقاب عليه بسببه ما لم يكن هذا الفعل مجرما بنص وقت ارتكابه ويشترط في النص التجريمي جملة من الشروط نوجزها في التالي:
أ ـ من حيث طبيعة النص التجريمي : يجب أن يكون النص التجريمي نصا تشريعيا : أي مكتوبا حتى يمكن للفرد معرفة الأفعال المجرمة والأفعال المباحة، ومن ثم توفير نوع من الاستقرار للنظام الجزائي ولذلك يستوجب مبدأ الشرعية اعتماد التشريع كمصدر وحيد للتجريم والعقاب، واستبعاد المصادر الأخرى .
وييفرض مبدأ الشرعية من المشرع بعض الالتزامات في سن للنص التجريمي ، ويتعلق بعضها بمصدر التجريم، ويتعلق البعض الآخر بمضمون التجريم .
أما فيما يتعلق بمصدر التجريم : فإن مبدأ الشرعية يجعل سياسة التجريم والعقاب من صلاحيات المشرع دون غيره من الهيئات الأخرى لضمان الحماية الكافية للأفراد ويلاحظ مع ذلك إذا كانت السلطة التشريعية تملك وحدها سن النصوص التحريمية فقد تتخلى عن سلطتها إلى السلطة التنفيذية بطريق مباشر، وإلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر.
ومن الأمثلة على تخلي السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص التجريمية إلى السلطة التنفيذية ما تقوم به هذه الأخيرة من ضبط وتحديد بعض الجرائم كمخالفات المرور، أو تدخلها عن طريق الإحالة في النصوص التجريمية الصادرة عن السلطة التشريعية في بعض الجنح الخاصة بقانون الأسعار.
ومن الأمثلة على تنازل السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص التجريمية إلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر،ما اصطلح على تسميته بالنصوص المفتوحة،إذ يخول المشرع للقاضي بموجب هذه النصوص سلطة تقديرية واسعة،ومن ذلك ما تنص المادة 58 من القانون رقم: 90ــ 41 المؤرخ في 1990 /06 /02 ، والمتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي التي تعاقب على كل عرقلة لممارسة الحق النقابي.
وأما فيما يخص مضمون التجريم ،فإن مبدأ الشرعية يلقى هو الآخر على عاتق المشرع التزامات أهمها ما يلي : 1 ـ عدم الإفراط في التجريم والعقاب.
2 ـ الحرص على سريان النص التجريمي على المستقيل.
3 ـ توفر الوضوح في النص التجريمي ببيان أركان الجريمة،تحديد العقاب على نحو يسهل للقاضي تطبيق هذا النص.
ب ـ من حيث تطبيق النص التجريمي: يحكم تطبيق النص التجريمي مبدأ تبعية القاضي للمشرع،وهي تبعية تحرم القاضي من التدخل ولو بطريق غير مباشر في سياسة التجريم
إلا أن الملاحظ من الناحية العملية أن مبدأ تبعية القاضي للمشرع غير مطلق التطبيق بالنظر إلى ما للقاضي من سلطة تقريرية في تطبيق النص التجريمي على الوقائع المعروضة عليه تحقيق العدالة ،فيكون القاضي بذلك في مركز تقييم الإرادة المشرع. وتتجلى مظاهر السلطة التقريرية للقاضي في تطبيق النص التجريمي في مسائل ثلاثة وهي تكييف الوقائع،وتفسير النص التجريمي و صلاحيته في إستيعاد هذا النص خدمة للشرعية،ولنعرض لهذه المسائل.
1 ـ تكييف الوقائع والجريمة : تنصب مسألة التكييف التي يتولاها القاضي على الوقائع والجريمة ،إذ يهدف تكييف الوقائع إلى البحث في مدى توافر التطابق بين الواقعة المرتكبة أو السلوك المرتكب مع الواقعة النموذجية أو السلوك النموذجي الذي يتضمنه النص التجريمي.
وتتجلى أهمية التكييف في أن ثبوت عدم التطابق بين السلوك المرتكب والسلوك النموذجي من شأنه أن يؤدي لزاما إلى إستيعاد النص التجريمي، وتتجلى أيضا في أن ثبوت التطابق من شأنه أن يحدد العقاب والنظام الإجرامي، فالقاضي ملزم بتطبيق العقاب في حدود سلطته التقديرية .
2 ـ تفسير النص التجريمي : يقتضي مبدأ الشرعية أن تفسير النصوص تفسيرا يحافظ على التوازن بين مصلحة الأفراد ومصلحة المجتمع يضاف إلى ذلك أن خصوصية ذاتية قانون العقوبات تستلزم أن يخضع تفسير نصوصه لأساليب خاصة.
ويعتبر التفسير القضائي أهم تفسير للنص التجريمي، وهو تفسير يقوم به القاضي أثناء تطبيق النص التجريمي على الوقائع المعروضة عليه ويكاد يجمع الفقه والقضاء على أن تفسير النص التجريمي يجب أن يكون تفسيرا ضيقا لا يجيز التوسع. وهو التفسير الذي يدعمه مبدأ الشرعية مع مراعاة إرادة المشرع وقصده.
3 ـ صلاحية القاضي في إستيعاد النص التجريمي خدمة للشرعية: لا يكفي تطابق السلوك المرتكب مع السلوك النموذجي الذي يتضمنه النص التجريمي لقيام الركن الشرعي للجريمة، ذلك أن الركن الشرعي يتطلب علاوة على ذلك أن يكون النص التجريمي نفسه صالحا للتطبيق على السلوك المرتكب. وتتأكد هذه الصلاحية من خلال مراعاة الحدود الزمنية والمكانية لسريانه، وهذا ما يعبر عنه بالنطاق الزمني والنطاق المكاني لتطبيق النص التجرمي.
أما فيما يتعلق بالنظام الزمني للنص التجريمي فإن المشكلة تثور في حالة وقوع جريمة في ظل قانون ثم يصدر قانون جديد يعدل أو يلغي القانون القديم الذي ارتكب في ظله الجريمة. فلا خلاف في أن القانون الجديد يطبق على الواقعة اللاحقة لصدوره، ولكن الإشكال يبقى قائما بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على تالوقائع السابقة لصدوره .
ويثير هذا الإشكال مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان .
ويقتضي مبدأ الشرعية عدم جواز متابعة فرد من أجل سلوك ارتكبه إلا إذا كان هذا السلوك مجرما بنص سابق على وقوعه. ويفيد هذا المبدأ عدم جواز تطبيق القانون الجديد على الوقائع التي سبقت صدوره.إلا أن هذا المبدأ لا يؤخر به على إطلاقه إذ يكاد يجمع الفقه والقضاء وما يرثهم في ذلك بعض التشريعات على جواز تطبيق القانون الجديد بأثر رجعي إذا كان أصلح للمتهم.وقد نص قانون العقوبات الجزائري في المادة الثانية منه على ذلك.
ولعل من أهم تطبيقات القانون الأصلي للمتهم ما يلي:
1 ـ أن ينص القانون الجديد على تخفيض العقوبة مع الإبقاء على تجريم الفعل: هذه الحال يطبق هذا القانون على الجرم المرتكب قبل صدوره باعتباره الأصلح للمتهم شريطة أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل الحكم نهائيا على المتهم وفقا للقانون القديم.فإذا ما صدر حكم نهائي على المتهم في ظل القانون القديم فلا يطبق القانون الجديد ولو كان الأصلح للمتهم.
2 ـ أن يجعل القانون الجديد من الفعل الذي ارتكبه المتهم غير معاقب عليه:
أي مباحا، ففي هذه الحال يطبق هذا القانون بأثر رجعي باعتباره الأصلح للمتهم على الفعل الذي ارتكبه المتهم قبل صدوره،حتى ولو كان قد صدر في حقه حكما نهائيا وفقا للقانون القديم، وقبل صدور القانون الجديد.
وأما فيما يتعلق بالنظام المكاني للنص التجريمي: فيحكمه مبدأ أصلي وهو مبدأ إقليمية القانون الجنائي،ومبادئ احتياطية وهي مبدأ عينية النص الجنائي ومبدأ شخصية النص الجنائي،ومبدأ عالمية النص الجنائي،نتناولها فيما يلي لبعض من التفصيل.
1 ـ المبدأ الأصلي : مبدأ إقليمية القانون: تنص المادة 3 من قانون العقوبات على أن يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية، ويعني أراضي الجمهورية، وإقليم الدولة الجزائرية وفقا للمبادئ العامة في القانون الدولي العام الإقليم البري الذي تحدده الحدود السياسية للدولة،والإقليم البحري الذي يشمل المياه الإقليمية للدولة، والإقليم الجوي الذي يشمل طبقات الجو الذي يعلو الإقليمين البري و البحري للدولة ،وقد تولى قانون الإجراءات الجزائية بيان مكان وقوع الجريمة استنادا إلى مبدأ إقليمية القانون بأن نص في المادة 586 منه على أن تعد مرتكبة في الإقليم الجزائري كل جريمة يكون عمل من الأعمال المميزة لأحد أركانها المكونة لها قد تم في الجزائر.