سلك المشرع الجزائري مسلك معظم التشريعات المقارنة ، بأنّ قسم الجرائم بموجب المادة 27 من قانون العقوبات تقسيما ثلاثيا تبعا لخطورتها إلى جنايات و جنح و مخالفات . و لكن الفقه لم يكتف بهذا التقسيم القانوني للجرائم بل قسمها تقسيمات أخرى تبعا لأركان الجريمة . و لنعرض في ما يلي للتقسيم القانوني للجرائم في مبحث أول ، و تخصص المبحث الثاني للتقسيم الفقهي لها.
المبحث الأول : التقسيم القانوني للجرائم
تقسم المادة 27 من قانون العقوبات الجرائم تبعا لخطورتها إلى جنايات و جنح و مخالفات .
و تنص المادة 5 من نفس القانون على ما يلي :
1ـ أنّ العقوبات الأصلية في مواد الجنايات هي الإعدام و السجن المؤبد : و اليسجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات و عشرين سنة.
2 ـ و أنّ العقوبة الأصلية في مواد الجنح هي الحبس لمدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ، ماعدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى . ذلك أنّ القانون قد يقرر في مواد الجنح حدا أقصى يفوق خمس سنوات حبسا كما هو الحال بالنسبة للجنة اختلاس الأموال من طرف الموظف العام أو من في حكمه ، ( الفقرة 2 من المادة 119 ق ع ) ، و جنحة الفعل المخل بالحياء على قاصر دون عنف ( الفقرة 1 من المادة 334 ق ع ) و جنحة الفاحشة في الحالات المنصوص عليها في الفقرات 3و 4 و 5 من المادة 337 مكرر ، ق ع ، و جنحة استعمال المخدرات و الاتجار فيها ( المادة 242 من قانون الصحة المؤرخ في : 1985/02/16 ) .
3 ـ أن العقوبة الأصلية في مواد المخالفات هي الحبس من يوم واحد إلى شهرين على الأكثر ، و الغرامة من عشرين دينار جزائري إلى ألفي دينار جزائري .
و يستفاد من نص المادتين 27 و 5 من قانون العقوبات أنّ العبرة في وصف الجريمة بجناية أو جنحة أو مخالفة ، هي بنوع العقوبة المقررة قانونا للجريمة ، فإذا كانت هذه العقوبة المقررة قانونا للجريمة ،فإذا كانت هذه العقوبة من عقوبة الجنايات و صفت الجريمة بجناية أو جنحة أو مخالفة، هي بنوع العقوبة المقررة قانونا للجريمة ، فإذا كانت هذه العقوبة من عقوبة الجنايات و صنفت الجريمة بجناية .
و يراعى أنّ نوع الجريمة لا يتغير ، وفقا لمقتضيات المادة 28 من قانون العقوبات متى طبقت محكمة الجنايات أحكام المادة 53 من نفس القانون ، و وقعت على المتهم عقوبة جنحة على الواقعة التي تشكل جناية في أصلها ، نتيجة ثبوت وجود ظروف مخففة لصالحه.
و لكن إذا كان تشديد العقوبة أمر يعود إلى النص القانوني . و مثال ذلك أن جرم السرقة البسيطة هو جنحة و لكن القانون رفع عقوبتها عند توافر الظروف المشددة إلى عقوبة جناية ، ففي مثل هذه الحال تصير جريمة السرقة جناية على الرغم من أنها في الأصل و في غياب أو انعدام الظروف المشددة تعتبر جنحة ( المادة 29 ق ع )
و تتجلى أهمية هذا التقسيم الثلاثي للجرائم إلى جناية و جنحة و مخالفة في الآثار الأساسية التالية:
1 ـ أنّ التحقيق القضائي وجوبي في مواد الجنايات ، و اختباري في مواد الجنح ما لم تكن ثمة نصوص خاصة ، و جوازي في مواد المخالفة إذا طلبة وكيل الجمهورية ( المادة 66 ق ج ) .
2 ـ تختص محكمة الجنايات دون غيرها من المحاكم للفصل في الجرائم الموصوفة قانونا جناية ، ما لم ينص القانون صراحة على خلاف ذلك ( المادة 248 ق ج ).
3 ـ تتقادم الدعوى العمومية في مواد الجنايات بانقضاء عشرة سنوات كاملة تسري من يوم اقتراف الجريمة إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة ( المادة 7 ق ج ) . و تتقادم الدعوى العمومية في مواد الجنح بانقضاء ثلاث سنوات كاملة تسري من يوم اقتراف الجريمة إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء من جزاءات التحقيق أو المتابعة . ( المادة 8 ق ج ). و تتقادم الدعوى العمومية في مواد المخالفات بانقضاء سنتين كاملتين تسري من يوم اقتراف الجريمة إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة ( المادة 9 ق ج ).
المبحث الثاني : التقسيم الفقهي للجرائم .
يقسم الفقه الجرائم بالنظر إلى أركان الجريمة و هي الركن المادي ، و الركن المعنوي ، و الركن الشرعي ، تقسيمات عدة نوجزها في الآتيـك
1 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها المادي : تقسم الجرائم اعتمادا على الركن المادي إلى جريمة فنية و جريمة مستمرة ، و جريمة بسيطة و جريمة اعتياد ، و جريمة متتابعة ، و لتتكلم فيما يلي في كل نوع من هذه الأنواع من الجرائم كل على حدى.
أ ـ الجريمة الوقتية : تعتبر الجريمة وقتية إذا كان ركنها المادي لا يمتد فترة زمنية : أي الجريمة التي لا يستغرق وقوعها فترة زمنية ، و مثالها : جريمة القتل التي تتم بمجرد إزهاق الروح ، و جريمة السرقة التي تتم بمجرد حصول فعل الاختلاس ، و جريمة الضرب التي تتم بمجرد حصول فعل الضرب.
ب ـ الجريمة المستمرة : تعتبر الجريمة مستمرة إذا كان ركنها المادي يمتد فترة زمنية : أي الجريمة التي يستغرق وقوعها فترة زمنية ، و مثالها : جريمة إخفاء الأشياء المسروقة ، و جريمة الإهمال العائلي التي تبقى قائمة إلى أن يتم دفع جميع المبالغ المحكوم بها .
جـ ـ الجريمة البسيطة : تعتبر الجريمة بسيطة إذا كان يكتفي فيها بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الأخرى لتمام الجريمة ، و قيام المسؤولية الجنائية ، و مثالها : جريمة القتل و جريمة السرقة .
د ـ الجريمة المستمرة : تعتبر الجريمة مستمرة إذا كان لا يكتفي فيها بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الأخرى لتمام الجريمة و قيام المسؤولية الجنائية ، بل يتطلب لتحقيقها تكرار هذه الواقعة ذاتها مع توافر العناصر الأخرى لقيام الجريمة .
و مثالها : جريمة التسول ، و جريمة تحريض القصر على الفسق .
هـ ـ الجريمة المتتابعة الأفعال أو المتكررة : تعتبر الجريمة متتابعة الأفعال إذا قام الجاني بأفعال متتالية و متماثلة تنصب على مصلحة واحدة محمية قانونا يهدف إلى غرض إجرامي واحد ، و مثالها: جريمة الضرب في حالة تكرار فعل الضرب ، و جريمة السرقة في حالة حصول هذه الجريمة على مراحل ، أو دفعات .
و يعني هذا أنّ الجريمة المتتابعة الأفعال تقوم على عدة أفعال ، يشكل كل فعل منها في حد ذاته و استقلالا جريمة تامة بحيث لو اكتفى الجاني بهذا الفعل دون تكراره لكان مسؤولا . و على الرغم من تكرار هذه الأفعال فإنها تعد بمثابة فعل واحد ، لأنّ من شأن تعددها أن ينصب على مصلحة واحدة ، تجمع بينها وحدة الهدف الإجرامي .
2 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها المعنوي : تقسم الجرائم اعتمادا على الركن المعنوي للجريمة أو على توافر القصد الجنائي إلى جريمة عمدية و جريمة غير عمدية .
أ ـ الجريمة العمدية : تعتبر الجريمة عمدية إذا توافر القصد الجنائي ، لدى مقترفها : أي اتجاه إرادته إلى تحقيق النتيجة التي يتوقعها ، و مثالها : جريمة القتل العمد.
ب ـ الجريمة الغير العمدية : تعتبر الجريمة غير عمدية إذا لم يتوافر القصد الجنائي لدى مقترفها : أي الجريمة التي ينتفي فيها القصد الجنائي ، فهي جريمة تقوم على مجرد الخطأ المبني على الإهمال و الرعونة و قلة الاحتراز و عدم إطاعة القوانين و اللوائح ، و مثالها القتل الخطأ ، أو الجروح الخطأ.
3 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها الشرعي :
تقسم الجرائم اعتمادا على الركن الشرعي للجريمة إلى جريمة سياسية و جريمة عسكرية .
أ ـ الجريمة السياسية : يتنازع تعريف الجريمة السياسية مذهبان : مذهب شخصي و مذهب موضوعي : فتعتبر الجريمة سياسية أخذا بالمذهب الشخص الجريمة التي يكون الباعث على ارتكابها باعثا سياسيا أو تكون الغاية من ارتكابها غاية سياسية ، و تعتبر الجريمة سياسية أخا بالمذهب الموضوعي إذا كانت المصلحة المحمية قانونا التي وقع عليها الاعتداء ذات طبيعة سياسية : بمعنى أنّ وصف الجريمة أنها سياسية يكون بالنظر إلى طبيعة الحق المعتدي عليه ، فإذا كانت طبيعة الحق سياسية كانت الجريمة سياسية.
و من الجرائم المعتبرة جرائم سياسية في قانون العقوبات الجزائري :
الجنايات الجنح ضد أمن الدولة كجرائم الجباية و التحسس ، و جرائم التعدي على الدفاع الوطني ، و الجرائم ضد سلطة الدولة و سلامة أرض الوطن ، و جنايات المساهمة في حركات التمرد ، و الجنح ضد الدستور ، و الاعتداء على الحريات العامة ( المواد من 60 إلى 90 ) و المواد من 97 إلى 111 ق ج ).
و يلاحظ أنّ المشرع الجزائري لا يعبر اهتماما للتفرقة بين الجريمة السياسية و الجريمة العادية فيما يتعلق بالعقوبات المقررة لها ، مقارنة بالتشريعات الأجنبية التي تخصص للجرائم السياسية عقوبات خاصة تميزها عن العقوبات المقررة للجرائم العادية.
ب ـ الجريمة العسكرية :
تعتبر الجريمة عسكرية إذا أخل الفاعل بالقواعد التي يفرضها قانون العقوبات العسكري ، أو ما يسمى في الجزائر تعاون القضاء العسكري.
و تخضع الجريمة العسكرية في الجزائر لقانون القضاء العسكري الصادر في 1971/04/22 بموجب الأمر رقم : 28-71 و من أهم ما يميز الجريمة العسكرية ما يلي :
ـ أنّ مصدر الجريمة العسكرية هو قانون القضاء العسكري.
ـ أنّ المحكمة العسكرية تختص دون غيرها بالفصل في الجرائم العسكرية .
أنّ قانون القضاء العسكري يطبق فقط على العسكريين ، و على من في حكمهم.
ـ أنّ قانون القضاء العسكري يتضمن عقوبات لا يتضمنها قانون العقوبات ، فقانون القضاء العسكري قانون تأديبي يستوجب أن يتضمن عقوبات إلى جانب العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات.
و تنص المادة 243 من قانون القضاء العسكري في هذا الخصوص ، على أن تصدر المحاكم العسكرية نفس العقوبات التي تصدرها المحاكم التابعة للقانون العام ، باستثناء عقوبات الإبعاد ، و ذلك مع مراعاة أحكام هذا القانون أو القوانين الخاصة و كل عقوبة جنائية صادرة على عسكري تتضمن تحريره من الحقوق الوطنية يترتب عليها خصوصا فصله من الجيش ، و حرمانه من الرتبة و الحق في حمل الشارات و النبوة العسكرية ، و تنص المادة 224 من نفس القانون على أنه يمكن أيضا للمحاكم العسكرية أن تقضي بعقوبة العزل العسكري و فقدان الرتبة .
المبحث الثالث : الركن الشرعي للجريمة
يعبر عن الركن الشرعي في الجريمة بمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمن إلا بنص في القانون " (المادة 1 ق.ع) ويهدف هذا المبدأ إلى إقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع عن طريق توفير الحماية لكل من هذين المصلحتين، وبالقدر اللازم الذي لا يهدر إحداهما لفائدة الأخرى.